فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها   . 
قال ابن حبيب  في " الواضحة " : ( حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة  رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة ، فحكم على فاطمة  بالخدمة الباطنة خدمة البيت وحكم على علي  بالخدمة الظاهرة  ) ثم قال ابن حبيب  والخدمة الباطنة : العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله . 
وفي " الصحيحين " : ( أن فاطمة  رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى ، وتسأله خادما فلم تجده ، فذكرت ذلك  لعائشة  رضي الله عنها ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته . قال علي   : فجاءنا وقد أخذنا  [ ص: 170 ] مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال مكانكما " فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : " ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما ، إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم " . قال علي   : فما تركتها بعد ، قيل ولا ليلة صفين ؟ قال ولا ليلة صفين  ) . 
وصح عن أسماء  أنها قالت : ( كنت أخدم الزبير  خدمة البيت كله وكان له فرس وكنت أسوسه وكنت أحتش له وأقوم عليه  ) . 
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو وتعجن وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ . 
فاختلف الفقهاء في ذلك ، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت ، وقال  أبو ثور   : عليها أن تخدم زوجها في كل شيء ، ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء ، وممن ذهب إلى ذلك مالك   والشافعي   وأبو حنيفة  وأهل الظاهر ، قالوا : لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع ، قالوا : والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق فأين الوجوب منها ؟ . 
واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه ، وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطحنه  [ ص: 171 ] وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت فمن المنكر ، والله تعالى يقول ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف   ) [ البقرة :228 ] ، وقال : ( الرجال قوامون على النساء   ) [ النساء : 34 ] وإذا لم تخدمه المرأة ، بل يكون هو الخادم لها ، فهي القوامة عليه . 
وأيضا : فإن المهر في مقابلة البضع ، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه ، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها ، وما جرت به عادة الأزواج . 
وأيضا فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف ، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة ، وقولهم : إن خدمة فاطمة  وأسماء  كانت تبرعا وإحسانا يرده أن فاطمة  كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة ، فلم يقل لعلي   : لا خدمة عليها ، وإنما هي عليك وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا ، ولما رأى أسماء  والعلف على رأسها ، والزبير  معه لم يقل : له لا خدمة عليها ، وأن هذا ظلم لها ، بل أقره على استخدامها ، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية هذا أمر لا ريب فيه . 
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة وفقيرة وغنية فهذه أشرف نساء العالمين ، كانت تخدم زوجها وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة ، فلم يشكها ، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية ، فقال : ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم  ) . 
والعاني : الأسير ، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده ولا ريب أن النكاح نوع من الرق ، كما قال بعض السلف : النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين والأقوى من الدليلين . 


						
						
