فصل المرتبة التاسعة مرتبة الإلهام  
قال تعالى  ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها   وقال النبي صلى الله عليه وسلم ل  حصين بن منذر الخزاعي  لما أسلم  قل : اللهم ألهمني رشدي ، وقني شر نفسي     .  
وقد جعل صاحب المنازل  الإلهام   هو مقام المحدثين ، قال : وهو فوق مقام  الفراسة   ، لأن الفراسة ربما وقعت نادرة ، واستصعبت على صاحبها وقتا ، أو استعصت عليه ، والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد .  
قلت : التحديث أخص من الإلهام ، فإن الإلهام عام للمؤمنين بحسب إيمانهم فكل مؤمن فقد ألهمه الله رشده الذي حصل له به الإيمان ، فأما التحديث فالنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه  إن يكن في هذه الأمة أحد  فعمر  يعني من المحدثين ، فالتحديث إلهام خاص ، وهو الوحي إلى غير الأنبياء إما من المكلفين ، كقوله تعالىوأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه   وقوله  وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي   وإما من غير المكلفين ، كقوله تعالى  وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون   فهذا كله وحي إلهام .  
 [ ص: 69 ] وأما جعله فوق مقام الفراسة فقد احتج عليه بأن الفراسة ربما وقعت نادرة كما تقدم ، والنادر لا حكم له ، وربما استعصت على صاحبها واستصعبت عليه فلم تطاوعه ، والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد ، يعني في مقام القرب والحضور .  
والتحقيق في هذا أن كل واحد من " الفراسة " و " الإلهام " ينقسم إلى عام وخاص ، وخاص كل واحد منهما فوق عام الآخر ، وعام كل واحد قد يقع كثيرا ، وخاصه قد يقع نادرا ، ولكن الفرق الصحيح أن الفراسة قد تتعلق بنوع كسب وتحصيل ، وأما الإلهام فموهبة مجردة ، لا تنال بكسب البتة .  


						
						
