( حدثنا   إسحاق بن منصور  أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا (  أبو عامر  حدثنا  فليح     ) بضم فاء ، وفتح لام ، وسكون تحتية فمهملة ( وهو  ابن سليمان  عن   هلال بن علي  عن   أنس بن مالك  قال : شهدنا ) أي : حضرنا ( ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وهي  أم كلثوم  زوجة   عثمان بن عفان  كما رواه   الواقدي  عن   فليح بن سليمان  بهذا الإسناد ، وكذا أخرجه  ابن سعد  في الطبقات في ترجمة  أم كلثوم  ، ووهم من قال إنها  رقية     ; لأنها ماتت والنبي صلى      [ ص: 154 ] الله عليه وسلم  ببدر   ، ولم يشهدها ( ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ) أي : على طرفه والجملة حال ، وأغرب شارح حيث قال : وفي الحديث جواز الجلوس على القبر ( فرأيت عينيه تدمعان ) أي : يسيل دمعهما ( فقال :  أفيكم رجل لم يقارف الليلة     ) أي : البارحة .  
في جامع الأصول لم يقارف أي : لم يذنب ذنبا ، ويجوز أن يراد الجماع فكنى عنه ، وقيل هو المعني في الحديث ، ويؤيده ما في النهاية قارف الذنب إذا داناه ، وقارف امرأته إذا جاءها ، ومنه الحديث في دفن  أم كلثوم  من كان منكم لم يقارف أهله الليلة فليدخل قبرها .  
والحاصل أن قوله لم يقارف بالقاف والراء والفاء من المقارفة على صيغة المبني للفاعل ، وأن المفعول هنا محذوف وهو الذنب أو امرأته ، وأهله ، وقد زاد   ابن المبارك  عن  فليح  أراه يعني الذنب ذكره   البخاري  تعليقا ، ووصله  الإسماعيلي  وحكى عن   الطحاوي  أنه قال : لم يقارف تصحيف ، والصواب لم يقاول أي : لم ينازع غيره في الكلام ; لأنهم كانوا يكرهون الكلام بعد العشاء كذا ذكره  العسقلاني     ( قال  أبو طلحة     : أنا ) أي : الذي لم يجامع امرأته ، ويبعد أن يكون المعنى أنا الذي لم يذنب ذنبا ، ولو مقيدا بالليلة اللهم إلا أن يراد به الكبيرة والله أعلم .  
وقد جزم   ابن حزم  بأن معناه لم يجامع تلك الليلة وقال معاذ الله أن يتبجح  أبو طلحة  عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يذنب تلك الليلة ، قال  ميرك  ويقويه أن رواية   حماد بن سلمة  عن  ثابت  عن  أنس  بلفظ  لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى  عثمان  أخرجه   البخاري  في التاريخ الأوسط ،  والحاكم  في المستدرك ( قال ) وفي نسخة فقال : (  انزل فنزل في قبرها     )  وأبو طلحة  هو  زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي  غلبت عليه كنيته صحابي مشهور شهد المشاهد ،  وقال - صلى الله عليه وسلم - لصوت  أبي طلحة  في الجيش خير من مائة رجل  ، وقتل يوم  حنين   عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، وفضائله كثيرة ، وفي الحديث أن لولى امرأة ماتت أن يأمر أجنبيا بأن ينزل في قبرها ، وفيه  إدخال الرجل المرأة قبرها   لكونهم أقوى على ذلك من النساء ، والتوسل بالصالحين في أمثاله .  
فإن قيل ما الحكمة فيه إذا فسر المقارفة بالمجامعة قلت لعله لم يرد ، وأن يكون النازل فيه قريب العهد بمخالطة النساء لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة وروي أن  عثمان  في تلك الليلة باشر جارية ، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة المحتضرة بها ، فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة عليه ، فكنى به أو حكمة أخرى الله أعلم بها ، وقال صاحب الاستيعاب : في ترجمة  أم كلثوم  استأذن  أبو طلحة  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل في قبرها ، فأذن له ، وقال  الخطابي     : إنها بنت له صغيرة غير رقية ،  وأم كلثوم  فيزول الإشكال من نزول الأجنبي مع وجود الأب والزوج ، وفيه أنه لم يثبت له - صلى الله عليه وسلم - ابنة طفلة كذلك على ما سبق وقيل أنه لم ينزل ليقبرها بل ليعين غيره ، وفيه أن الذين أعانهم ليسوا من محارمها ، فالإشكال باق على حاله ; لأن رواية المصنف هذه رواها   البخاري  أيضا وفي      [ ص: 155 ] رواية أن الذي نزل قبرها  علي  ،  والفضل  وأسامة     ; فإن صحت ، فلا مانع من نزول الأربعة ، وأخرج   الدولابي  أنه - صلى الله عليه وسلم - لما عزي  برقية  بنته امرأة  عثمان  قال : الحمد لله دفن البنات من المكرمات ثم زوج - صلى الله عليه وسلم -  عثمان  أم كلثوم  ، وقال :  والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى هذا  جبريل   أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها  رواه  الفضائلي  ، وبقي من  بناته - صلى الله عليه وسلم      -  زينب  ، وهي أكبرهن بلا خلاف ماتت سنة ثمان تحت ابن خالتها   أبي العاص بن الربيع  قال   ابن عبد البر     :  فاطمة  ،  وأم كلثوم  أفضل بناته - صلى الله عليه وسلم - لكن كانت  فاطمة  أحب أهله إليه ، ولم يكن له عقب إلا منها من جهة  الحسن  ،  والحسين  رضي الله عنهم ، والحاصل أن عقب  عبد الله بن جعفر  انتشر من  علي  ، وأخته  أم كلثوم  ابني  زينب بنت الزهراء  ، ولا ريب أن لهم شرفا لكنه دون شرف المنسوبين إلى  الحسن  ،  والحسين  ، وأما  أولاده - صلى الله عليه وسلم - الذكور   ففي عدتهم خلاف طويل ، والمتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما  القاسم  ،  وإبراهيم  وستة مختلف فيهم  عبد الله  وعبد مناف  والطيب  والمطيب  والطاهر  والمطهر  ، والأصح أن الذكور ثلاثة ، وكلهم ذكورا وإناثا من   خديجة  إلا  إبراهيم  فمن  مارية القبطية  أهداها له  المقوقس القبطي  صاحب  مصر   والإسكندرية   ، وولدت له  إبراهيم  في ذي الحجة سنة ثمان ومات ، وله سبعون يوما على خلاف فيه وورد من طريق ثلاثة عن ثلاثة من الصحابة لو عاش  إبراهيم  لكان نبيا ، وتأويله أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ، ولا يظن بالصحابة الهجوم على مثل هذا الظن ، وأما إنكار  النووي   كابن عبد البر  لذلك ، فلعدم ظهور التأويل عندهما ، وهو ظاهر على ما ذكره  ابن حجر  

 
				
 
						 
						

 
					 
					