وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين [1]  . هم من صلى [ إلى ] [2]  .  [ ص: 27 ] القبلتين ، وهذا ضعيف ، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ; ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ; ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي ، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة ، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على [3]  . من لم يدركه [4] ، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم [5] ، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم [6] ، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد ، أو قبل أن يفرض ، هم سابقون على من أسلم بعدهم ، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان ، هم سابقون على من أسلم بعدهم ، والذين أسلموا قبل أن يفرض [7]  . الحج ، هم سابقون على من تأخر عنهم ، [ والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم ] [8] ، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك ، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا ، وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة [9]  . فهو سابق على من تأخر عنه ، وله بذلك فضيلة ، ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده [10]  . هي من هذا الباب . 
 [ ص: 28 ] وليس مثل هذا مما [11]  . يتميز به السابقون الأولون  عن التابعين ، إذ ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعله [12]  . خيرا من بعض ; ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم [13]  . أهل الحديبية  ، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص . 
وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين  أبو بكر   وعمر   وعلي  [14]  .  وطلحة   والزبير  ، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - [ بيده ] [15]  . عن  عثمان   ; لأنه كان [16]  . غائبا قد أرسله إلى أهل مكة   ليبلغهم رسالته ، وبسببه بايع [ النبي - صلى الله عليه وسلم ] [17]  . الناس لما بلغه أنهم قتلوه . 
وقد ثبت في صحيح  مسلم  عن  جابر [ بن عبد الله   ] [18]  . - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [19]  : " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة  . [20]  " . 
 [ ص: 29 ] وقال تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم   ) [ سورة التوبة : 117 ] [21] ، فجمع بينهم وبين الرسول في التوبة . 
وقال [ تعالى ] [22]  . : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا   ) [ سورة الأنفال : 72 ] [23]  . إلى قوله : ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم   ) [ سورة الأنفال : 75 ] ، فأثبت الموالاة [24]  . بينهم . 
وقال للمؤمنين :  [ ص: 30 ]  ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين   ) [ سورة المائدة : 51 ] إلى قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون  ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون   ) [ المائدة : 55 - 56 ] [25] ، وقال : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض   ) [ سورة التوبة : 71 ] ، فأثبت الموالاة بينهم ، وأمر بموالاتهم ، والرافضة  تتبرأ [26]  . منهم ، ولا تتولاهم [27] ، وأصل الموالاة المحبة ، وأصل المعاداة البغض ، وهم يبغضونهم ولا يحبونهم . 
وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية نزلت في  علي  لما تصدق بخاتمه في الصلاة [28] ، وهذا كذب [29]  . بإجماع أهل العلم [ بالنقل ] [30] ، وكذبه بين [31] ، من وجوه كثيرة : 
منها : أن قوله ( الذين ) صيغة جمع ، وعلي واحد . 
ومنها : أن ( الواو ) [32]  . ليست واو الحال ، إذ لو كان كذلك لكان  [ ص: 31 ] لا يسوغ [33]  . أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع ، فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة [34]  \ 5 . 
ومنها : أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب [35] ، وإيتاء [36]  . الزكاة في نفس الصلاة ليس واجبا ولا مستحبا [ باتفاق علماء الملة ] [37]  . فإن في الصلاة شغلا . 
ومنها : أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسنا ، لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن . 
ومنها : أن  عليا  لم يكن عليه زكاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم . 
( * ومنها : أنه لم يكن له أيضا خاتم ، ولا كانوا يلبسون الخواتم ، حتى كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا إلى  كسرى  ، فقيل له : إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيها : محمد  رسول الله * ) [38]  . 
ومنها : أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم ، فإن أكثر الفقهاء يقولون : لا يجزئ [39]  . إخراج الخاتم في الزكاة   . 
ومنها : أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل [40] ، والمدح في الزكاة أن  [ ص: 32 ] يخرجها ابتداء ويخرجها على الفور ، لا ينتظر أن يسأله سائل . 
ومنها : أن الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار ، والأمر بموالاة المؤمنين ، كما يدل عليه سياق الكلام . 
وسيجيء إن شاء الله تمام الكلام على هذه الآية ، فإن الرافضة   لا يكادون يحتجون بحجة إلا كانت [ حجة ] [41]  . عليهم لا لهم ، كاحتجاجهم بهذه الآية على الولاية التي هي الإمارة ، وإنما هي في الولاية التي هي ضد العداوة ، والرافضة  مخالفون لها . 
[42] 

 
				
 
						 
						

 
					 
					