448  - أنا القاضي  أبو بكر الحيري ،  نا  محمد بن يعقوب الأصم ،  نا  أبو عتبة ،  نا بقية ،  نا  سعيد بن عبد العزيز ،  عن  ابن حلبس ،  قال : قال بشير بن أبي مسعود   - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " اتقوا الله ، وعليكم بالجماعة ، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد  [ ص: 424 ]  - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة " .  
قلت : يعني أن  أبا مسعود  كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ابنه . 
فإن قال قائل : هذه كلها أخبار آحاد ، فلا يجوز الاحتجاج بها في هذه المسألة قيل له : هذه مسألة شرعية ، فطريقها مثل طريق مسائل الفروع ، وليس للمخالف فيها طريق يمكنه القول أنه يوجب القطع ، وإذا كان كذلك سقط هذا القول . 
وجواب آخر ، وهو : أنها أحاديث تواتر من طريق المعنى ، لأن الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى ومعناها واحد ، لم يجز أن يكون جميعها كذبا ، ولم يكن بد من أن يكون بعضها صحيحا ، ألا ترى أن الجمع الكثير ، إذا أخبروا بإسلامهم ، وجب أن يكون فيهم طارق قطعا ، ولهذا نقول : إنه لا يجوز أن يقال أن جميع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد يجوز أن يكون كذبا موضوعا . 
وجواب آخر ، وهو : أنها وإن كانت من أخبار الآحاد فقد قامت الحجة بصحتها وثبوتها ، وذلك أنها تروى في كل عصر ، ويحتج بها  [ ص: 425 ] في هذه المسألة ، ولم ينقل عن أحد أنه ردها وأنكرها ، ولو لم تقم الحجة عندهم بصحتها لوجب أن يختلفوا فيها فيقبلها قوم ويردها آخرون ، لأن العادة جارية بذلك في خبر الواحد الذي لم تقم الحجة بصحته عندهم ، فكان ما ذكرناه موجبا لصحتها علما وقطعا . 
فأما الجواب عن احتجاج المخالف بحديث معاذ ،  وأن الإجماع لم يذكر فيما ذكر من الأدلة فهو : أن الإجماع إنما يعتبر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يجوز أن ينعقد الإجماع في حياته دونه ، وقوله بانفراده حجة لا يفتقر إلى قول غيره ، فلم يكن في عصره اعتبار بالإجماع . 
وأما الجواب عن احتجاجه بقوله - صلى الله عليه وسلم - :  " لا ترجعوا بعدي كفارا " ، وبقوله :  " لتركبن سنن من كان قبلكم " ، فهو أنه خطاب لبعض الأمة ، والبعض يجوز عليه الخطأ ، ولأن قوله :  " لا تجتمع أمتي على ضلالة " خاص في حال الإجماع ، والخاص يجب أن يقضى به على العام . 
وأما الجواب عن قوله : إنهم في حال الإجماع بمنزلتهم في حال الانفراد : فهو : أن عصمة الأمة في حال الإجماع أثبتناه بالشرع دون العقل ، فلا يمتنع أن يعلم الله أنهم لا يختارون الخطأ في حال الإجماع ، ولا يقع ذلك منهم ، فإذا أخبر بذلك ، وجب المصير إليه والعمل به . 
وأما الجواب عن قوله إنه لا طريق إلى معرفة الإجماع لكثرة المسلمين ، فهو : أن الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء ، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم ، ويمكن معرفة اتفاق أهل العلم ، لأن من اشتغل بالعلم حتى صار من أهل الاجتهاد فيه لم يخف أمره على أهل  [ ص: 426 ] بلده وجيرانه ، ولم يخف حضوره وغيبته ، ويمكن الإمام أن يبعث إلى البلاد ، ويتعرف أقاويل الجميع ، فإن قال يجوز أن يكون في أسر في الغزو رجل من أهل العلم ، وحصل في أيدي المشركين غير مقدور عليه ؟ 
فالجواب : أن مثل هذا لا يخفى ، وإذا جرى مثل ذلك ، لم ينعقد الإجماع ، إلا بالوقوف على مذهبه فيه . 
 [ ص: 427 ] 


						
						
