(15) الخامس عشر من شعب الإيمان " وهو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره صلى الله عليه وسلم " 
وهذه منزلة فوق المحبة ؛ لأنه ليس كل محب معظما ألا ترى أن الوالد يحب ولده ، ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه ، والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم ، والسيد قد يحب مماليكه ولكن لا يعظمهم ، والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم ، فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة ، والداعي إلى المحبة ما يفيض عن المحب على المحب من الخيرات ، والداعي إلى التعظيم ما يجب للمعظم في نفسه من الصفات العلية ، ويتعلق به من حاجات المعظم التي لا قضاء لها إلا عنده ، ويلزمه من مننه التي لا قوام له بشكرها ، وإن جد واجتهد " . 
وبسط  الحليمي  رحمه الله الكلام في شرح هذه الجملة ، ثم قال : " فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب ، علمنا من حقوق السادات على مماليكهم والآباء على أولادهم ؛ لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ، وهدانا به ، كما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم ، وأية نعمة توازي هذه النعم ؟ ، وأية منة تداني هذه المنن . 
ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته ، وتوعدنا على معصيته بالنار ، ووعدنا باتباعه الجنة ، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة ؟ وأي درجة تساوي في العلى هذه الدرجة ؟  [ ص: 96 ] 
فحق علينا إذا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهيبه أكثر من إجلال كل عبد سيده ، وكل ولد والده ، وبمثل هذا نطق الكتاب ، ووردت أوامر الله جل ثناؤه ، قال الله عز وجل : ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون   ) . 
فأخبر أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ، ولا خلاف في أن التعزير هاهنا التعظيم ، وقال : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا  لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه   ) . 
فأبان أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون معزرا موقرا يتهيب ولا يعامل بالاسترسال والمباسطة ، كما يعامل الأكفاء بعضهم بعضا .  قال الله عز وجل : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا   ) . 
فقيل في معناه : لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا ، فتؤخروا إجابته بالأعذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ، ولكن عظموه بسرعة الإجابة ومعاجلة الطاعة ، ولم تجعل الصلاة لهم عذرا في التخلف ، عن الإجابة إذا دعا أحدهم وهو يصلي إعلاما لهم بأن الصلاة إذا لم تكن عذرا يستباح به تأخير الإجابة ، فما دونها من معاني الأعذار أبعد ذلك . وذكر حديث  أبي بن كعب  رضي الله عنه كما : 

 
				
 
						 
						

 
					 
					