[ ص: 407 ]  68 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في تأويل قول الله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم  
 467  - حدثنا أحمد بن داود  ، حدثنا  محمد بن أبي سمينة  ، أخبرنا  سفيان  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن يحيى بن عبد الرحمن  ، عن  عبد الله بن الزبير  ، عن  الزبير  قال : { لما نزلت : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم  قلنا : يا رسول الله ، وأي نعيم ، وإنما هما الأسودان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيكون   } . 
فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية عليه : أي نعيم ؟ أي : ما هم فيه ، وإنما هما الأسودان . وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عند ذلك : " إنه سيكون " أي سيكون لكم عيش سوى الأسودين ، فتسألون عنه . 
 [ ص: 408 ] فعقلنا بذلك أن الذي يسألون عنه ، هو الفضل عن الأسودين مما يتجاوز ما تقوم أنفسهم به ، وأنهم غير مسؤولين عما لا تقوم أنفسهم إلا به . 
ووجدنا ما قد دل على ذلك مرويا عنه عليه السلام في غير هذا الحديث . 
 468  - كما حدثنا  ابن مرزوق  ،  وابن أبي داود  قالا : حدثنا  أبو الوليد الطيالسي  ، حدثنا حشرج بن نباتة  ، حدثنا أبو نصيرة  ، عن  أبي عسيب  قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بأبي بكر  فدعاه فخرج إليه ، ثم مر بعمر  فدعاه فخرج إليه ، ثم انطلق يمشي ونحن معه حتى دخل بعض حوائط الأنصار  فقال : أطعمنا بسرا ، فأتاهم بعذق فأكلوا منه ، وأتاهم بماء فشربوا . فقال رسول الله عليه السلام : هذا من النعيم الذي تسألون عنه . فقال عمر   : إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : نعم ، إلا من ثلاث : كسرة يسد بها الرجل جوعه ، وخرقة يواري بها عورته ، وحجر يدخل فيه من الحر والبرد   } . 
 469  - وكما قد حدثنا  أبو أمية  ، حدثنا محمد بن سابق  ، حدثنا حشرج بن نباتة  ، ثم ذكر بإسناده مثله . وزاد : { فأخذ عمر  العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ، ثم قال : يا رسول الله ، إنا لمسؤولون عن هذا ؟   } . 
 [ ص: 409 ] فكان في هذا الحديث تبيان ما ذكرنا ؛ لأن فيه أنهم مسئولون عن البسر الذي أكلوه ، وعن الماء الذي شربوه ؛ لأنهما فضل عن الكسرة التي يسدون بها جوعهم ، وعن الخرقة التي يوارون بها عوراتهم ، وعن الحجر الذي يقيهم الحر والبرد . 
 470  - كما حدثنا أحمد بن داود  ، حدثنا  عبيد الله بن محمد التيمي  ، أخبرنا  حماد بن سلمة  ، عن عمار بن أبي عمار  ، عن  جابر  قال : { أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمناه رطبا ، وسقيناه ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه   } . 
 471  - كما حدثنا فهد  ، حدثنا  أبو الوليد  ، حدثنا  حماد  ، عن عمار   : سمعت  جابرا  يقول : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا فذكر مثله ، غير أن أبا الوليد شك ، فقال : أطعمناه رطبا أو بسرا   . 
 472  - وكما قد حدثنا  أبو أمية  ، حدثنا  عبيد الله  ، حدثنا  شيبان  ، وحدثنا  أبو أمية  ، حدثنا  الحسن الأشيب  ، حدثنا  شيبان  ، جميعا عن  عبد الملك بن عمير  ، عن  أبي سلمة  ،  [ ص: 410 ] عن  أبي هريرة  قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر  فقال : ما أخرجك يا أبا بكر  ؟ قال : خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنظر في وجهه ، والتسليم عليه ، فلم يلبث أن جاء عمر  فقال : ما أخرجك يا عمر  ؟ قال : الجوع . قال : وأنا وجدت بعض الذي تجد ، انطلق بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان    } . وذكر الحديث بطوله ، وقال فيه : { فإن المستشار مؤتمن  } هكذا حدثناه أبو أمية  ، وهو لسياقته . 
 473  - وكما قد حدثنا  يوسف بن يزيد  ، حدثنا  سعيد بن منصور  ، حدثنا  هشيم  ، حدثنا  عمر بن أبي سلمة  ، عن  أبيه   : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم ،  [ ص: 411 ] فجلس ، ثم إن أبا بكر  جاء فجلس إلى النبي عليه السلام قال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ قال : الجوع . قال : يا أبا بكر  ، وأنا ما أخرجني إلا الجوع ، ثم جاء عمر  فقال مثل ذلك . فقال رسول الله عليه السلام : انطلقوا بنا إلى منزل أبي الهيثم  ، فلم يوافقوه ، وأذنت لهم امرأته فلم يلبثوا إلا قليلا حتى جاء أبو الهيثم  ، فصرم لهم من نخلة عذقا ، فوضعه بين أيديهم ، فجعلوا يأكلون من الرطب والبسر ، ثم شربوا من الماء ، وأمر أن تذبح لهم شاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تذبح ذات در ، فذبح لهم ثم أتوا باللحم فأكلوا من الرطب واللحم حتى شبعوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتسألن عن هذا ، وإن هذا من النعيم الذي تسألون عنه ، فلما انصرف النبي عليه السلام قال لأبي الهيثم   : إذا أتانا رقيق ، فأتنا حتى نأمر لك بخادم ، فلبث ما شاء الله ، ثم أتي بسبي فأتاه أبو الهيثم  ، فقال له النبي عليه السلام : اختر منهم أيهم شئت ، قال : يا رسول الله ، خر لي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : المستشار مؤتمن . مرتين أو ثلاثا ، قال : خذ هذا واستوص به خيرا ، فإني رأيته يصلي ، وإني نهيت عن المصلين . فانطلق به أبو الهيثم  ، فلما أتى أهله قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصاني بك خيرا ، فأنت حر لوجه الله تعالى   } . 
 [ ص: 412 ] 
 474  - وكما حدثنا محمد بن سنان  ، حدثنا عيسى بن سليمان  ، حدثنا  خلف بن خليفة  ، عن يزيد بن كيسان  ، عن  أبي حازم  ، عن  أبي هريرة   { أن رسول الله عليه السلام خرج يوما ، فإذا هو بأبي بكر  وعمر  فقال : ما أخرجكما هذه الساعة ؟ قالا : الجوع يا رسول الله ، قال : وأنا والذي بعثني بالحق أخرجني الذي أخرجكما ، فقوما ، فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار ، فلم يكن الرجل ثمت ، وإذا امرأته فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر  وعمر  قالت : مرحبا وأهلا . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : أين فلان ؟ قالت : انطلق يستعذب لنا الماء ، قال : فبينا هم كذلك إذ جاء الأنصاري ، وعليه قربة من ماء ، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى صاحبيه كبر ، ثم قال : الله أكبر ما أحد من الناس من ذكر وأنثى أكرم أضيافا مني اليوم ، فعلق القربة بكرنافة ، فانطلق فجاء بعذق فيه تمر ورطب وبسر فوضعه بين أيديهم ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا اجتنيته قال : تخيروا على أعينكم ، يا رسول الله ، ثم أخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب ، فذبح لهم شاة فأكلوا فلما شبعوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لتسألن عن هذه النعمة يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم  [ ص: 413 ] لم ترجعوا حتى أصبتم هذا النعيم   } . 
فقد اتفق بحمد الله ونعمته هذه الآثار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وائتلفت معانيها ، وانتفى عنها الاختلاف والتضاد . والله نسأله التوفيق . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					