[ ص: 302 ]  54 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراد الله بقوله : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم  هل هو عبد الله بن سلام  أو من سواه ؟ 
 331  - حدثنا  يونس  ،  ويزيد بن سنان  ،  والربيع الجيزي  ، وصالح بن عبد الرحمن  ، وعمرو بن الحارث  ،  وإبراهيم بن أبي داود  ، وفهد  ، ومالك بن عبد الله بن سيف التجيبي أبو سعد  ، قالوا : حدثنا  عبد الله بن يوسف  ، قال : سمعت  مالكا  يحدث عن  أبي النضر  ، عن  عامر بن سعد  ، عن  سعد  قال : ما سمعت النبي عليه السلام يقول { لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام  ، وفيه نزلت هذه الآية : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم    } . 
فأنكر منكر أن يكون عبد الله بن سلام  هو المراد بهذه الآية ، وذكر أن  [ ص: 303 ] المراد بها سواه ، وأنها في سورة مكية ، وأن إسلام عبد الله  فإنما كان بالمدينة  ، وذكر في ذلك : 
ما قد حدثنا ابن أبي مريم  ، حدثنا  الفريابي  ، حدثنا  قيس بن الربيع  ، عن  عاصم  ، عن  الشعبي  ، في قوله تعالى : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم  قال : ليس  عبد الله بن سلام  ، آية مكية ، وإنما أسلم  عبد الله بن سلام  قبل وفاة النبي عليه السلام بعامين ، وما أنزل فيه شيء من القرآن ، وإنما أنزلت هذه الآية في رجل من بني إسرائيل آمن به قومه واستكبرتم أن تؤمنوا   . 
 [ ص: 304 ] وقد وافق  الشعبي  في نفي هذه الآية أن تكون أنزلت في ابن سلام  ، وفي نفي آية أخرى قد قال بعض الناس : إنها أنزلت فيه أيضا ، وهي قوله : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب   سعيد بن جبير   . 
كما حدثنا أحمد بن داود بن موسى  ، حدثنا  مسدد  ، حدثنا  أبو عوانة  ، عن  أبي بشر  قال : سألت  سعيد بن جبير  عن قول الله تعالى : ومن عنده علم الكتاب  قلت : هو ابن سلام  ، قال : كيف يكون  عبد الله بن سلام  ، وهذه السورة مكية . قال : وكان سعيد  يقرأ ( ومن عنده علم الكتاب )   " . 
 [ ص: 305 ] وكانوا يشدون ذلك بما يرويه عن  ابن عباس .   : 
كما حدثنا أحمد بن أبي عمران  ، حدثنا  خلف بن هشام البزار  ، حدثنا  الخفاف  ، عن هارون النحوي  ، عن  جعفر بن أبي وحشية  ، عن  ابن جبير  ، عن  ابن عباس  أنه كان يقرأ : ( ومن عنده ) بكسرها ، ويقول : من عند الله علم الكتاب   . 
فتأملنا هذا الباب هل خالف فيه  الشعبي  وسعيد بن جبير  أحدا من أمثالهما . ؟ 
فحدثنا ابن أبي مريم  ، حدثنا  الفريابي  ، حدثنا  ورقاء  ، عن  ابن أبي نجيح  ، عن  مجاهد   : وشهد شاهد من بني إسرائيل  قال : هو  عبد الله بن سلام    . 
وكما حدثنا  يزيد بن سنان  ، حدثنا  أزهر بن سعد السمان  ، حدثنا  ابن عون  ، عن  الشعبي  في هذه الآية : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله  قال : يقولون : ابن سلام  ، وكيف يكون ابن سلام  ، وهذه الآية مكية ؟ 
 [ ص: 306 ] قال ابن عون   : فنبئت أن محمدا يعني : ابن سيرين  قال : صدق ، هي مكية   . قال  أبو جعفر   : يعني السورة التي فيها تلك الآية ، وهي سورة الأحقاف ، ولكنها قد كانت تنزل الآية ، فيؤمر بها أن توضع في مكان كذا وكذا . 
قال  أبو جعفر   : يعني أنه قد كانت الآية تنزل بالمدينة  فيؤمر بوضعها في سورة قد كانت نزلت بمكة   . 
ثم رجعنا إلى حديث مالك  الذي رويناه في أوائل الباب فكشفناه ، لنقف على حقيقته . 
 332  - فوجدنا  ابن أبي داود  ، وفهدا  ،  وعبد الرحمن بن عمرو بن صفوان النصري الدمشقي  ، قد حدثونا قالوا : حدثنا  أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني  ، حدثنا  مالك  ، عن  أبي النضر  ، عن  عامر بن سعد  ، عن  سعد  قال : { ما سمعت النبي عليه السلام يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا  عبد الله بن سلام    } . ولم يذكر فيه نزول تلك الآية فيه . 
فوقع في قلوبنا من ذلك شيء ، فكشفنا عنه أيضا حتى وقفنا على الحقيقة فيه بمن الله وعونه . 
 [ ص: 307 ] 
 333  - فوجدنا  يونس  قد حدثنا ، حدثنا  يحيى بن عبد الله بن بكير  ، حدثنا  عبد الله بن وهب  ، عن  مالك  ، فذكر بإسناده مثله . قال فيه : قال  مالك   : وفيه نزلت : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم    . 
 334  - ووجدنا  أحمد بن عبد الرحمن بن وهب  قد حدثنا قال : حدثنا  عمي  ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وبما أضافه إلى مالك  فيه مثله . 
فوقفنا بذلك على أن ذكر نزول هذه الآية في هذا الحديث ليس من كلام النبي عليه السلام ، ولا من كلام سعد  ، وإنما هو من كلام مالك  ، فخرج بذلك أن يكون فيه حجة على  الشعبي  ، وسعيد بن جبير  في إثبات نزول هذه الآية أنه كان في  عبد الله بن سلام   . 
ثم تأملنا ما قد روي في نزولها سوى هذا الحديث : 
فوجدنا  بكار بن قتيبة  ، قد حدثنا قال : حدثنا  سليمان بن داود صاحب الطيالسة  ، حدثنا شعيب بن صفوان  ، حدثنا  عبد الملك بن عمير   : أن الحجاج بن يوسف  قال لمحمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام   : لله أبوك ، تعلم حديثا حدثه أبوك  عبد الملك بن مروان  أمير المؤمنين ؟ قال : أي حديث يرحمك الله ؟ فرب حديث حدث به ؛ قال : حديث المصريين  لما حاصروا عثمان  رضي الله عنه ؛ قال : قد علمت ذلك الحديث ، فحدثه به فكان فيه أنهم قالوا  لعبد الله بن سلام  لما حذرهم من قتل عثمان  ، كذب اليهودي ، كذب اليهودي . فقال : كذبتم والله ، وأثمتم ما أنا  [ ص: 308 ] بيهودي ، وإني لأحد المؤمنين يعلم ذلك الله ورسوله والمؤمنون ، وقد أنزل الله في كتابه : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب  ، والآية الأخرى : قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم    . 
فكان ما في هذا الحديث من إخبار ابن سلام  بنزول هاتين الآيتين فيه أولى ، وكان بما نزل فيه أعلم ، ولم نجد أحدا من القراء الذين أضيفت القراءة إليهم من الآية التي تلونا ، وهو قوله : ومن عنده علم الكتاب  إلا كذلك ، ولم نجد أحدا قرأها بالكسر إلا  ابن عباس  وابن جبير   . 
وقد حدثنا ابن أبي عمران  ، حدثنا  خلف  ، قال : قرأ  الأعمش   : ومن عنده  نصب ،  وعاصم   وحمزة  كمثل ،  ونافع  كمثل ،  وابن كثير  كمثل ،  وأبو عمرو  كمثل   . 
وقد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا مخرج قراءة عاصم  ، ورجوعها إلى علي  ، وإلى  ابن مسعود  ، وإلى  زيد بن ثابت   . 
وقراءة نافع  فقد كانت مأخوذة عن جماعة منهم : أبو جعفر  [ ص: 309 ] يزيد بن القعقاع  ، وكان أخذ أبي جعفر  إياها من مولاه عبد الله بن عياش  ، وكان أخذ عبد الله بن عياش  إياها من  أبي بن كعب   . كذلك حدثني روح بن الفرج  ، عن أحمد بن صالح  أنه سمعه يقول ذلك . 
وقراءة حمزة  مأخوذة فيما حدثني ابن أبي عمران  مما سمعه من  خلف البزار  ، أنه قرأ القرآن على  سليم بن عيسى  عشر مرات ، وأن سليما  حدثه أنه قرأه على  حمزة  ، وأن حمزة  ذكر أنه قرأ القرآن على رجلين وهما  الأعمش   ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، فما كان من قراءة ابن أبي ليلى  فعلى حرف علي  ، وما كان من قراءة  الأعمش  فعلى حرف  ابن مسعود   . 
ومما أخذناه من قراءة حمزة  عن غير ابن أبي عمران  أن ابن أبي ليلى  قرأ القرآن على أخيه عيسى بن عبد الرحمن  ، وأن أخاه قرأه على  أبيه  ، وأن أباه قرأه على  علي  ، وأن  الأعمش  قرأه على  يحيى بن وثاب  ، وأن يحيى  قرأه على عبيد بن نضيلة  ، وأن عبيدا  قرأه على  علقمة بن قيس النخعي  ، وأن علقمة  قرأه على  ابن مسعود  رضي الله عنه . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					