[ ص: 345 ]  530 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من قال لأخيه : تعال أقامرك ، فليتصدق ، وما في حديث  الأوزاعي  زيادة على ذلك : فليتصدق بالقمار 
 3296  - قال  أبو جعفر   : قد روينا فيما تقدم منا في كتابنا هذا الحديث من حديث  يونس بن عبد الأعلى  ، عن  ابن وهب  ، عن  يونس  ، عن  ابن شهاب  ، عن  حميد بن عبد الرحمن  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال لصاحبه : تعال أقامرك ، فليتصدق   . 
ثم وجدناه من حديث  الأوزاعي  ، عن  الزهري  ، بهذا الإسناد : فليتصدق بالقمار . 
 [ ص: 346 ] 
 3297  - كما حدثنا أحمد بن داود بن موسى  ، قال : حدثنا  علي بن بحر بن بري  ، قال : حدثنا  الوليد بن مسلم  ، قال : حدثنا  الأوزاعي  ، عن  الزهري  ، قال : أخبرني  حميد بن عبد الرحمن بن عوف  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال في حلفه : باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك ، فليتصدق بالقمار   . 
غير أنا وجدنا هذا الحديث من حديث داود بن رشيد  ، عن الوليد  ، عن  الأوزاعي  بإضافة هذه الكلمة إلى  الأوزاعي   . 
 3298  - حدثنا  إسحاق بن إبراهيم بن يونس  ، قال : حدثنا  داود بن رشيد  ، قال : حدثنا  الوليد بن مسلم  ، قال : حدثنا  الأوزاعي  ، عن  الزهري  ، قال : أخبرني  حميد  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ، غير  [ ص: 347 ] أنه قال : قال  الأوزاعي   : يتصدق بالقمار   . 
قال  أبو جعفر   : فلم نجد هذه الكلمة الزائدة في حديث  الأوزاعي  هذا على ما في حديث يونس  من أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من كلام  الأوزاعي  تفسيرا لمراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالصدقة عند ذلك ما هي ، ولم يكن  الأوزاعي  مع علمه وفضله يقول مثل ذلك تفسيرا لمراد النبي صلى الله عليه وسلم إياه بقوله : فليتصدق إلا من حيث ينطلق له أن يقوله إذ كان مثله لا يقال بالرأي ، ولا بالاستخراج ، ولا بالاستنباط . 
فتأملنا معنى : فليتصدق بالقمار ، لنقف على المراد به ما هو إن شاء الله ، فوجدنا القمار حراما ، ووجدنا ما يصير إلى من يقامر من سببه حراما عليه ، واجبا عليه رده إلى من أخذه منه ، أو إلى من أعطاه إياه على ذلك القمار ، وكان المتقامران سبيلهما إذا حضرا لما يريدان من ذلك أن يكون كل واحد منهما يحضر شيئا من ماله إما أن يقمره وإما أن يقمر شيئا يضيفه إليه ، وكان وجه الصدقة التي أمر بها في ذلك هو الصدقة لما أخرجه من ذلك من ماله ليعصي الله عز وجل به ، فيصرفه في الصدقة به التي هي قربة إلى ربه عز وجل ، ليكون ذلك كفارة لما كان حاول أن يصرفه فيه مما قد حرمه عليه ، لا أنه أراد أن يتصدق بما يعود إليه من مال من قامره بما هو حرام عليه ، ومما حكمه حكم الغلول ، والله عز وجل لا يقبل صدقة من غلول ، كما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . 
 3299  - مما قد حدثنا  يزيد بن سنان  ،  وإبراهيم بن مرزوق  ، قالا :  [ ص: 348 ] حدثنا  أبو الوليد الطيالسي  ، قال : حدثنا  زائدة بن قدامة  ، عن  سماك بن حرب  ، عن  مصعب بن سعد  ، عن  ابن عمر  رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول   . 
 3300  - وما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، قال : حدثنا  وهب بن جرير  ، قال : حدثنا  شعبة  ، عن  قتادة  ، عن  أبي مليح بن أسامة  ، عن أبيه  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . 
 [ ص: 349 ] فقال قائل : وما دليلك على ما ذكرت ؟ وإنما فيما رويت أن يتصدق بالقمار ، والقمار ما عاد إليه من مال غيره ، لا ما أخرجه من مال نفسه مما عسى أن يعود إلى غيره ممن يقامره بقماره إياه له . 
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الأشياء قد تسمى بما قربت منه ، وإن لم تتحقق به ، ولم تدخل فيه ، ومن ذلك قول الله عز وجل : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف  في سورة البقرة ، وفي سورة الطلاق : أو فارقوهن بمعروف  ، وهن إذا بلغن أجلهن قد بن ممن طلقهن ، وانقطع أن يكون لهم عليهن رجعة ؛ لأنهن قد صرن أجنبيات ، وقد بين ذلك قوله عز وجل في الآية الأخرى من سورة البقرة : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف  ، فكان في ذلك ما قد دل أن ما في الآية الأولى من بلوغ الأجل إنما أريد به قرب بلوغ الأجل ، لا حقيقة بلوغ الأجل . 
ومن ذلك أن المسلمين قد سموا ابن إبراهيم  صلى الله عليه وسلم : إما إسماعيل  ،  [ ص: 350 ] وإما إسحاق  صلى الله عليهما : الذبيح لقربه من الذبح وإن لم يكن ذبح ، فمثل ذلك أيضا ما ذكرنا من القمار المراد به القرب من القمار  [ ص: 351 ] لا حقيقة القمار ، ومثل هذا كثير في كلام العرب ، فأمر الذي قد سمح أن يكون ما أخرجه ليملكه عليه بقماره إياه له الذي هو حرام عليه برده إلى الصدقة التي هي لله عز وجل قربة ، وعسى أن يكون له كفارة ، مما كان حاوله من عصيان الله عز وجل ، ودخوله فيما حرمه عليه ، والله عز وجل نسأله التوفيق . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					