[ ص: 248 ]  389 - باب : بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحسينه لعمرو بن العاص  من صلاته بالناس جنبا عند خوفه الموت على نفسه من البرد إن اغتسل 
 2457  - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة  قال : حدثنا  أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي  ، قال : حدثنا  يوسف بن يزيد  قال : حدثنا  أبو الأسود النضر بن عبد الجبار  قال : أنبأنا  ابن لهيعة  ، عن  ابن أبي حبيب  ، عن عمران بن أبي أنس  ، عن عبد الرحمن بن جبير   - قال  أبو جعفر   : وهو مولى نافع بن عبد عمرو القرشي   - ، عن  عمرو بن العاص  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على جيش ذات السلاسل ، وفي الجيش نفر من المهاجرين  والأنصار  وفيهم  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فاحتلم  عمرو بن العاص  في ليلة شديدة البرد ، فأشفق أن يموت إن اغتسل فتوضأ ثم أم أصحابه ، فلما قدم تقدم  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فشكا  عمرو بن العاص  حتى قال : وأمنا جنبا فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر  ، فلما قدم  [ ص: 249 ] عمرو  دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يخبر بما صنع في غزاته ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصليت جنبا يا عمرو  ؟ فقال : نعم يا رسول الله أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر على وجهي مثلها قط ، فخيرت نفسي بين أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة الله عز وجل فقبلت رخصة الله عز وجل ، وعلمت أن الله عز وجل أرحم بي فتوضأت ، ثم صليت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعته لو كنت في القوم لصنعت كما صنعت .  
 [ ص: 250 ] قال  أبو جعفر   : فذهب بعض الناس ممن ينتحل الحديث في هذا إلى ما في هذا الحديث من استعمال الوضوء مكان التيمم ، وذهب إلى أنه في ذلك فوق التيمم ، وممن كان ذهب إلى ذلك ، منهم أحمد بن صالح   . 
قال  أبو جعفر   : فتأملنا نحن هذا الحديث وما قاله الذاهبون إليه أن الوضوء في هذه الحادثة عندهم فوق التيمم ، هل هو كما قالوا أم لا ؟ 
 [ ص: 251 ] فوجدنا ذلك من قولهم فاسدا ؛ لأن الله عز وجل جعل الوضوء طهارة من الأحداث غير ما أوجب الاغتسال فيه منها وهو الجنابات ، وجعل الطهور من الجنابات الاغتسال ، ووجدنا الله عز وجل قد جعل التيمم بالصعيد عند عدم الماء بدلا من الوضوء للصلوات عند الحاجة إلى ذلك ، وجعله بدلا من الاغتسال من الجنابات . 
فوقفنا بذلك على أن التيمم تكون به الطهارة من الجنابات ويكون كالغسل ، ويكون فوق الوضوء عند عدم وجود الماء . 
ولما كان ذلك كذلك في الجنابات عند عدم الماء استحال بذلك أن يكون الوضوء الذي جعل طهارة من الأحداث التي دون الجنابات يكون طهورا من الجنابات في حال من الأحوال ؛ لأن الأشياء التي تكون أبدالا من الأشياء إنما هي غيرها لا جزء من أجزائها . 
ثم التمسنا الوضوء الذي كان من عمرو  عند حاجته إلى الغسل من الجنابة عند إعوازه الماء لم كان ذلك ؟ فوجدنا محتملا أن يكون كان منه ، ولا طهارة حينئذ عند عدم الماء بصعيد ولا بما سواه ، فكان الحكم عند ذلك جواز أدائه تلك الصلاة بلا اغتسال ؛ إذ كان في حكم من لا جنابة به توجب عليه الاغتسال إذ كان لا ماء معه يغتسل به فسقط عنه بذلك فرض الاغتسال ، وصار كهو لو لم يكن جنبا ، فأجزأ الوضوء كما يجزئ المستيقظ من نومه ولا جنابة به الوضوء ، وكما يجزئ من لا سترة معه أن لا يصلي عريانا لسقوط فرض السترة عنه . 
وقد وجدنا من أفعال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 252 ] قبل فرض التيمم صلاتهم وهم محدثون على غير وضوء . 
 2458  - كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس الثعلبي الكوفي المعروف بالسوسي  قال : حدثنا  أبو معاوية  ، عن  هشام بن عروة  ، عن  أبيه  ، عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أسيد بن حضير  وأناسا معه يطلبون قلادة نسيتها  عائشة  في منزل نزلناه فحضرت الصلاة ، فلم يجدوا ماء فصلوا بغير وضوء ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية التيمم ، فقال  أسيد بن حضير   : جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله عز وجل لك وللمسلمين فيه خيرا .  
قال  أبو جعفر   : فكان ما فعله المسلمون حينئذ هو فرض الله عز وجل عليهم فيما يؤدون صلواتهم عليه ؛ لأنه لما سقط عنهم فرض الوضوء بالماء لإعوازهم الماء لها لم يسقط عنهم فرض الصلاة ، فكان الفرض عليهم أن يصلوها على ما عليه من الحدث الذي هم فيه . 
وشد ذلك وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما فعلوا من ذلك ، فلم ينكره  [ ص: 253 ] عليهم ، فكيف ينكره عليهم وهو فرضهم الذي مثله فرض من عجز عن الصلاة إلى الكعبة  التي افترض الله - عز وجل - على الخلق أن يصلوا إليها أن يصلي إلى غيرها ، وكمثل ما ذكرنا في عدم اللباس الذي يواري العورة في الصلاة أن من نزل به ذلك أن يصلي مكشوف العورة ، فكان مثل ذلك من عدم الماء وهو جنب ، ولا بدل له يخرجه من الجنابة إلى الطهارة من صعيد ولا من غيره أن يصلي بلا اغتسال من الجنابة التي هو فيها ، ومثل ذلك إذا كان في جنابة في حين بارد يخاف إن اغتسل لها أن يموت من ذلك الاغتسال ، سقط عنه حكم الاغتسال لها ، وعاد بذلك حكمه إلى حكم من لا غسل عليه من الجنابة التي هي به ، ووجب عليه أن يصلي بجنابته التي لا طهارة عليه لها ، كما يصليها لو اغتسل لها . 
فهذا هو المعنى الذي استعمله  عمرو بن العاص  في هذا الحديث ، وحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وكان من وضوءه ذلك ليس بطهور من الجنابة ، ولكنه طهور للنوم الذي استيقظ منه . 
فأما الحكم فيما بعد الوقت الذي كان من عمرو  فيه ما كان مما حسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزلت الرخصة في التيمم بالصعيد ، فهو التيمم الذي لا يجزئ معه وضوء من الغسل ، ولا بد فيه من التيمم . 
وفيما كشفنا من هذه المعاني ما قد دل على فساد قول من قاله لما حكيناه عن هؤلاء القائلين الذين ذهبوا إلى ما حكيناه عنهم في هذا الباب ، وثبوت ضد أقوالهم في ذلك ، والله عز وجل نسأله التوفيق . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					